فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا} وهذا اعتذار منهم بَيَّنُوا به سبب سؤالهم حين نهوا عنه فقالوا: {نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا}.
يحتمل وجهين:
أحدهما: أنهم أرادوا الأكل منها للحاجة الداعية إليها.
والثاني: أنهم أرادوه تبركًا بها لا لحاجة دعتهم إليها، وهذا أشبه لأنهم لو احتاجوا لم ينهوا عن السؤال.
{وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: تطمئن إلى أن الله تعالى قد بعثك إلينا نبيًا.
والثاني: تطمئن إلى أن الله تعالى قد اختارنا لك أعوانًا.
والثالث: تطمئن إلى أن الله قد أجابنا إلى ما سألنا.
{وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} في أنك نبي إلينا، وذلك على الوجه الأول.
وعلى الوجه الثاني: صدقتنا في أننا أعوان لك.
وعلى الوجه الثالث: أن الله قد أجابنا إلى ما سألنا.
وفي قولهم {وَنَعْلَمَ} وجهان:
أحدهما: أنه علم مستحدث لهم بهذه الآية بعد أن لم يكن، وهذا قول من زعم أن السؤال كان قبل استحكام المعرفة.
والثاني: أنهم استزادوا بذلك علمًا إلى علمهم ويقينًا إلى يقينهم، وهذا قول من زعم أن السؤال كان بعد التصديق والمعرفة.
{وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} يحتمل وجهين.
أحدهما: من الشاهدين لك عند الله بأنك قد أديت ما بعثك به إلينا.
والثاني: من الشاهدين عند من يأتي من قومنا بما شاهدناه من الآيات الدالة على أنك نبي إليهم وإلينا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قالوا نريد أن نأكل منها} هذا اعتذار منهم بيّنوا به سبب سؤالهم حين نهوا عنه.
وفي إِرادتهم للأكل منها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم أرادوا ذلك للحاجة، وشدة الجوع، قاله ابن عباس.
والثاني: ليزدادوا إِيمانًا، ذكره ابن الأنباري.
والثالث: للتبرك بها، ذكره الماوردي.
وفي قوله: {وتطمئن قلوبنا} ثلاثة أقوال:
أحدها: تطمئن إِلى أن الله تعالى قد بعثك إِلينا نبيًا.
والثاني: إِلى أن الله تعالى قد إختارنا أعوانًا لك.
والثالث: إِلى أن الله تعالى قد أجابك.
وقال ابن عباس: قال لهم عيسى: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يومًا، ثم لا تسألونه شيئًا إِلا أعطاكم؟ فصاموا، ثم سألوا المائدة.
فمعنى: {ونعلم أن قد صدقتنا} في أنّا إِذا صمنا ثلاثين يومًا لم نسأل الله شيئًا إِلا أعطانا.
وفي هذا العلم قولان:
أحدهما: أنه علمٌ يحدث لهما لم يكن، وهو قول مَن قال: كان سؤالهم قبل استحكام معرفتهم.
والثاني: أنه زيادة علم إِلى علم، ويقين إِلى يقين، وهو قول مَن قال: كان سؤالهم بعد معرفتهم.
وقرأ الأعمش: {وتعلم} بالتاء، والمعنى: وتعلم القلوب أن قد صدقتنا.
وفي قوله: {من الشاهدين} أربعة أقوال:
أحدها: من الشاهدين لله بالقدرة، ولك بالنبّوة.
والثاني: عند بني إِسرائيل إِذا رجعنا إِليهم، وذلك أنهم كانوا مع عيسى في البرِيّة عند هذا السؤال.
والثالث: من الشاهدين عند من يأتي من قومنا بما شاهدنا من الآيات الدالة على أنك نبي.
والرابع: من الشاهدين لك عند الله بأداء ما بعثت به. اهـ.

.قال الفخر:

المعنى كأنهم لما طلبوا ذلك قال عيسى لهم: إنه قد تقدمت المعجزات الكثيرة فاتقوا الله في طلب هذه المعجزة بعد تقدم تلك المعجزات القاهرة، فأجابوا وقالوا إنا لا نطلب هذه المائدة لمجرد أن تكون معجزة بل لمجموع أمور كثيرة: أحدها: أنا نريد أن نأكل منها فإن الجوع قد غلبنا ولا نجد طعامًا آخر، وثانيها: أنا وإن علمنا قدرة الله تعالى بالدليل، ولكنا إذا شاهدنا نزول هذه المائدة ازداد اليقين وقويت الطمأنينة، وثالثها: أنا وإن علمنا بسائر المعجزات صدقك، ولكن إذا شاهدنا هذه المعجزة ازداد اليقين والعرفان وتأكدت الطمأنينة.
ورابعها: أن جميع تلك المعجزات التي أوردتها كانت معجزات أرضية، وهذه معجزة سماوية وهي أعجب وأعظم، فإذا شاهدناها كنا عليها من الشاهدين، نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بني إسرائيل، ونكون عليها من الشاهدين لله بكمال القدرة ولك بالنبوة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين} لما أمرهم عيسى بتقوى الله منكرًا عليهم ما تقدم من كلامهم صرحوا بسبب طلب المائدة وأنهم يريدون الأكل منها، وذلك للشرف لا للشبع واطمئنان قلوبهم بسكون الفكر، إذا عاينوا هذا المعجز العظيم النازل من السماء وعلم الضرورة والمشاهدة بصدقه فلا تعترض الشبه اللاحقة في علم الاستدلال وكينونتهم من المشاهدين بهذه الآية الناقلين لها إلى غيرهم، القائمين بهذا الشرع أو من الشاهدين لله بالوحدانية ولك بالنبوّة، وقد طول بعض المفسرين في تفسير متعلق إرادتهم بهذه الأشياء وملخصها أنهم أرادوا الأكل للحاجة وشدة الجوع.
قال ابن عباس وكان إذا خرج اتبعه خمسة آلاف أو أكثر من صاحب له وذي علة يطلب البرء ومستهزئ فوقعوا يومًا في مفازة ولا زاد فجاعوا وسألوا من الحواريين أن يسألوا عيسى نزول مائدة من السماء فذكر شمعون لعيسى ذلك فقال: قل لهم اتقوا الله، وأرادوا الأكل ليزدادوا إيمانًا.
قال ابن الأنباري أو التشريف بالمائدة ذكره الماوردي والاطمئنان إما بأن الله قد بعثك إلينا أو اختارنا عوانًا لك أو قد أجابك أو العلم بالصدق في أنا إذا صمنا الله تعالى ثلاثين يومًا.
لم نسأل الله شيئًا إلا أعطانا أو في أنك رسول حقًا إذ المعجز دليل الصدق وكانوا قبل ذلك لم يرو الآيات، أو يراد بالعلم الضروري والمشاهدة انتهى.
وأنت هذه المعاطيف مرتبة ترتيبًا لطيفًا وذلك أنهم لا يأكلون منها لا بعد معاينة نزولها فيجتمع على العلم بها حاسة الرؤية وحاسة الذوق فبذلك يزول عن القلب قلق الاضطراب ويسكن إلى ما عاينه الإنسان وذاقه، وباطمئنان القلب يحصل العلم الضروري بصدق من كانت المعجزة على يديه إذ جاءت طبق ما سأل، وسألوا هذا المعجز العظيم لأن تأثيره في العالم العلوي بدعاء من هو في العالم الأرضي أقوى وأغرب من تأثير من هو في العالم الأرضي في عالمه الأرضي، ألا ترى أن من أعظم معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وانشقاق القمر وهما من العالم العلوي وإذا حصل عندهم العلم الضروري بصدق عيسى شهدوا شهادة يقين لا يحتلج بها ظن ولا شك ولا وهم وبذكرهم هذه الأسباب الحاملة على طلب المائدة يترجح قول من قال: كان سؤالهم ذلك قبل علمهم بآيات عيسى ومعجزاته وإن وحي الله إليهم بالإيمان كان في صدر الأمر وعند ذلك قالوا هذه المقالة ثم آمنوا ورأوا الآيات واستمروا وصبروا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالُواْ} استئناف كما سبق {نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا} تمهيدُ عذرٍ وبيانٍ لِمَا دعاهم إلى السؤال، أي لسنا نريد بالسؤال إزاحةَ شُبهتِنا في قدرته سبحانه على تنزيلها أو في صحة نبوتك، حتى يقدحَ ذلك في الإيمان والتقوى، بل نريد أن نأكلَ منها أي أكلَ تبرّكٍ، وقيل: أكلَ حاجةٍ وتمتُّع {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} بكمال قدرته تعالى وإن كنا مؤمنين به من قبل، فإن انضمامَ علم المشاهدةِ إلى العلم الاستدلالي مما يوجب ازديادَ الطُمأنينة وقوةَ اليقين {وَنَعْلَمَ} أي علمًا يقينيًا لا يحوم حوله شائبةُ شُبهةٍ أصلًا، وقرئ {ليُعْلَمَ} على البناء للمفعول {أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} {أنْ} هي المخففة من أنّ، وضميرُ الشأن محذوفٌ، أي ونلعم أنه قد صدقتنا في دعوى النبوة وأن الله يُجيب دعوتنا وإن كنا عالمين بذلك من قبل {وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشاهدين} نشهد عليها عند الذين لم يحضُروها من بني إسرائيل ليزدادَ المؤمنون منهم بشهادتنا طُمأنينةً ويقينًا، ويؤمنَ بسببها كفارُهم، أو {من الشاهدين} للعَيْن دون السامعين للخبر، و{عليها} متعلقٌ بالشاهدين إن جُعل اللامُ للتعريف، وبيانٌ لما يشهدون عليه إن جُعلتْ موصولة، كأنه قيل: على أي شيء يشهدون؟ فقيل: عليها، فإن ما يتعلق بالصلة لا يتقدم على الموصول، أو هو حال من اسم كان، أو هو متعلق بمحذوف يفسره من الشاهدين. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا} أكل تبرك وقيل: أكل تمتع وحاجة والإرادة إما مبعناها الظاهر أو بمعنى المحبة أي نحب ذلك والكلام كما قيل تمهيد عذر وبيان لما دعاهم إلى السؤال أي لسنا نريد من السؤال إزاحة شبهتنا في قدرته سبحانه على تنزيلها أو في صحة نبوتك حتى يقدح ذلك في الإيمان والتقوى ولكن نريد إلخ أو ليس مرادنا اقتراح الآيات لكن مرادنا ما ذكره.
{وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} بازدياد اليقين كما قال عطاء {وَنَعْلَمَ} علم مشاهدة وعيان على ما قدمناه {أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} أي أنه قد صدقتنا في ادعاء النبوة، وقيل: في أن الله تعالى يجيب دعوتنا، وقيل: فيما ادعيت مطلقًا.
{وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشاهدين} عند من لم يحضرها من بني اسرائيل ليزداد المؤمنون منهم بشهادتنا طمأنينة ويقينا ويؤمن بسببها كفارهم أو من الشاهدين للعين دون السامعين للخبر، وقيل: من الشاهدين لله تعالى بالوحدانية ولك بالنبوة.
و{عَلَيْهَا} متعلق بالشاهدين إن جعل اللام للتعريف أو بمحدوف يفسره {مّنَ الشاهدين} إن جعلت موصولة.
وجوزنا تفسير ما لا يعمل للعامل، وقيل: متعلق به؛ وفيه تقديم ما في حيز الصلة وحرف الجر وكلاهما ممنوع.
ونقل عن بعض النحاة جواز التقديم في الظرف، وعن بعضهم جوازه مطلقًا، وجوز أن يكون حالًا من اسم كان أي عاكفين عليها.
وقرئ {يَعْلَمْ} بالبناء للمفعول و{تَعْلَمْ وَتَكُونُ} بالتاء والضمير للقلوب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

أجابوه عن ذلك بأنّهم ما أرادوا ذلك لضعف في إيمانهم إنّما أرادوا التيمّن بأكل طعام نزل من عند الله إكرامًا لهم، ولذلك زادوا {منها} ولم يقتصروا على {أن نأكل} إذ ليس غرضهم من الأكل دفع الجوع بل الغرض التشرّف بأكل من شيء نازل من السماء.
وهذا مثل أكل أبي بكر من الطعام الذي أكَل منه ضيفه في بيته حين انتظروه بالعشاء إلى أن ذهب جزء من الليل، وحضر أبو بكر وغضب من تركهم الطعام، فلمّا أخذوا يطعمون جعل الطعام يربو فقال أبو بكر لزوجه: ما هذا يا أختَ بني فِراس.
وحمل من الغد بعض ذلك الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل منه.
ولذلك قال الحواريّون: {وتطمئنّ قلوبنا} أي بمشاهدة هذه المعجزة فإنّ الدليل الحسي أظهر في النفس، {ونعلم أن قد صدقتنا}، أي نعلم علم ضرورة لا علم استدلال فيحصل لهم العلمان، {ونكون عليها من الشاهدين}، أي من الشاهدين على رؤية هذه المعجزة فنبلّغها من لم يشهدها.
فهذه أربع فوائد لسؤال إنزال المائدة، كلّها درجات من الفضل الذي يرغب فيه أمثالهم.
وتقديم الجارّ والمجرور في قوله: {عليها من الشاهدين} للرعاية على الفاصلة. اهـ.